الطريق الى الجنة
اخي الحبيب تقرب الى الله ليتقرب الله اليك
ادعوك للتسجيل في المنتدى وابني مستقبلك

الادارة
الطريق الى الجنة
اخي الحبيب تقرب الى الله ليتقرب الله اليك
ادعوك للتسجيل في المنتدى وابني مستقبلك

الادارة
الطريق الى الجنة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطريق الى الجنة

منتدى اسلامي ثقافي اجتماعي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 السيرة النبوية الجزء الثاني -8

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 99
تاريخ التسجيل : 31/10/2012
العمر : 64

السيرة النبوية الجزء الثاني -8 Empty
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الجزء الثاني -8   السيرة النبوية الجزء الثاني -8 I_icon_minitimeالخميس نوفمبر 01, 2012 1:46 pm


المبحث الثاني
في قلــــب المعركـــــــة
أولاً: بدء القتال واشتداده وبوادر الانتصار للمسلمين:
في بداية القتال حاول أبو سفيان أن يوجد شرخًا وتصدعًا في جبهة المسلمين المتماسكة، فأرسل إلى الأنصار يقول: (خلوا بيننا وبين ابن عمنا، فننصرف عنكم، فلا حاجة بنا إلى قتال) فردوا عليه بما يكره( ).
ولما فشلت المحاولة الأولى لجأت قريش إلى محاولة أخرى عن طريق عميل خائن من أهل المدينة، وهو أبو عامر الراهب، حيث حاول أبو عامر الراهب أن يستزل بعض الأنصار فقال: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينًا يا فاسق فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شرٌّ، ثم قاتلهم قتالاً شديدًا، ورماهم بالحجارة( ).
وبدأ القتال بمبارزة بين علي بن أبي طالب  وطلحة بن عثمان حامل لواء المشركين يوم أحد، يقول صاحب السيرة الحلبية: خرج طلحة بن عثمان وكان بيده لواء المشركين، وطلب المبارزة مرارًا فلم يخرج إليه أحد فقال: يا أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله تعالى يعجلنا بسيوفكم إلى النار, ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة, فهل أحد منكم يعجلني بسيفه إلى النار أو أعجله بسيفي إلى الجنة؟ فخرج إليه علي بن أبي إليه طالب  فقال له علي : والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار أو يعجلني بسيفك إلى الجنة, فضربه علي فقطع رجله، فوقع على الأرض فانكشفت عورته، فقال: يا ابن عمي، أنشدك الله والرحم فرجع عنه ولم يجهز عليه، فكبر رسول الله، وقال لعلي بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ قال: إن ابن عمي ناشدني الرحم حين انكشفت عورته فاستحييت منه( ).
والتحم الجيشان واشتد القتال، وشرع رسول الله يشحذ في همم أصحابه ويعمل على رفع معنوياتهم وأخذ سيفًا، وقال: «من يأخذ مني هذا؟» فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا أنا، قال: «فمن يأخذه بحقه» قال: فأحجم القوم، فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ قال: «أن تضرب به العدو حتى ينحني» قال: أنا آخذه بحقه، فدفعه إليه وكان رجلاً شجاعًا يختال عند الحرب، أي يمشي مشية المتكبر، وحين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبختر بين الصفين قال: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن»( ).
وهذا الزبير بن العوام يصف لنا ما فعله أبو دجانة يوم أحد قال: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة، وقلت أنا ابن صفية عمته ومن قريش وقد قمت إليه وسألته إياه قبله فأعطاه أبا دجانة وتركني, والله لأنظرن ما يصنع, فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه, فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب فخرج وهو يقول:
ونحن بالسفح لدى النخيل
أنا الذي عاهدني خليلي

أضرب بسيف الله والرسول( )
أن لا أقوم الدهر في الكيول؟ ( )

فجعل لا يلقى أحدًا إلا قتله، وكان في المشركين رجل لا يدع جريحًا إلا ذفف( ) عليه فجعل كل منهما يدنو من صاحبه, فدعوت الله أن يجمع بينهما, فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه وضربه أبو دجانة فقتله، ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها فقلت: الله ورسوله أعلم( ). قال ابن إسحاق: قال أبو دجانة: رأيت إنسانا يحمِّس الناس حماسًا شديدًا فصمدت له فلما حملت عليه السيف ولول, فإذا امرأة, فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة( ).
ثانيًا: مخالفة الرماة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم:
استبسل المسلمون في مقاتلة المشركين وكان شعارهم: أمت، أمت، واستماتوا في قتال بطولي ملحمي سجل فيه أبطال الإسلام صورًا رائعة في البطولة والشجاعة( ), وسجل التاريخ روائع بطولات حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وأبو دجانة وأبي طلحة الأنصاري، وسعد بن أبي وقاص، وأمثالهم كثير( )، وحقق المسلمون الانتصار في الجولة الأولى من المعركة( ), وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إذا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) [آل عمران: 152].
ولما رأى الرماة الهزيمة التي حلت بقريش وأحلافها ورأوا الغنائم في أرض المعركة جذبهم ذلك إلى ترك مواقعهم ظنًا منهم أن المعركة انتهت، فقالوا لأميرهم عبد الله بن جبير: (الغنيمة الغنيمة, ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة( ), ثم انطلقوا يجمعون الغنائم ولا يعبأون بقول أميرهم، ووصف ابن عباس رضي الله عنهما حالة الرماة في ذلك الموقف فقال: (فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين، أكب الرماة جميعًا فدخلوا في المعسكر ينهبون، وقد التقت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم كذا وشبَّك بين أصابع يديه، والتبسوا فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموقع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فضرب بعضهم بعضًا، والتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير)( ).
ورأى خالد بن الوليد وكان على خيالة المشركين الفرصة سانحة ليقوم بالالتفاف حول المسلمين، ولما رأى المشركون ذلك عادوا إلى القتل من جديد, وأحاطوا بالمسلمين من جهتين، وفقد المسلمون مواقعهم الأولى، وأخذوا يقاتلون بدون تخطيط، فأصبحوا يقاتلون متفرقين, فلا نظام يجمعهم ولا وحدة تشملهم، بل لم يعودوا يميزون بعضهم، فقد قتلوا اليمان والد حذيفة بن اليمان خطأ, وأخذ المسلمون يتساقطون شهداء في الميدان، وفقدوا اتصالهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وشاع أنه قُتل( ), واختلط الحابل بالنابل واشتدت حرارة القتال، وصار المشركون يقتلون كل من يلقونه من المسلمين، واستطاعوا الخلوص قريبًا من النبي صلى الله عليه وسلم فرموه بحجر كسر أنفه الشريف ورباعيته( ) وشجه( ) في وجهه الكريم فأثقله وتفجر الدم( ) منه صلى الله عليه وسلم.
عن أنس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُسرت رباعيته يوم أحد، وشُجَّ في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه، ويقول: «كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله؟» فأنزل الله عز وجل: ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) [آل عمران: 128].
وحمل ابن قمئة على مصعب بن عمير  حيث كان شديد الشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله، فقال لقريش: قد قتلت محمدًا( ) وشاع أن محمدًا قد قتل فتفرق المسلمون، ودخل بعضهم المدينة، وانطلقت طائفة منهم فوق الجبل، واختلطت على الصحابة أحوالهم، فما يدرون كيف يفعلون من هول الفاجعة( ), ففر جمع من المسلمين من ميدان المعركة، وجلس بعضهم إلى جانب ميدان المعركة بدون قتال، وآثر آخرون الشهادة بعد أن ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، ومن هؤلاء أنس بن النضر الذي كان يأسف لعدم شهود بدر، والذي قال في ذلك: (والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله كيف أصنع) وقد صدق في وعده، مر يوم أحد على قوم ممن أذهلتهم الشائعة وألقوا بسلاحهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قُتل رسول الله، فقال: يا قوم إن كان محمد قد قُتل فإن رب محمد لم يقتل، وموتوا على ما مات عليه، وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما قال هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء, يعني المشركين، ثم لقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد إني لأجد ريح الجنة دون أحد، ثم ألقى بنفسه في أتون المعركة، وما زال يقاتل حتى استُشهد, فوُجد فيه بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، فلم تعرفه إلا أخته ببنانه( ). وفي هذا وأمثاله نزل قول الله تعالى: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب: 23]. أما أولئك النفر الذين فروا لا يلوون على شيء رغم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالصمود والثبات فقد نزل فيهم قوله تعالى: ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) [آل عمران: 153].
ولقد حكى القرآن الكريم خبر فرار هذه المجموعة من الصحابة الذين ترخصوا في الفرار بعد سماعهم نبأ مقتل النبي صلى الله عليه وسلم الذي شاع في ساحة المعركة، وكان أول من علم بنجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه حي هو الصحابي كعب بن مالك الذي رفع صوته بالبشرى, فأمره النبي بالسكوت حتى لا يفطن المشركون إلى ذلك( ), وقد نص القرآن الكريم على أن الله تعالى قد عفا عن تلك الفئة التي فرت، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ).
ثالثًا: خطة الرسول صلى الله عليه وسلم في إعادة شتات الجيش:
عندما ابتدأ الهجوم المعاكس من المشركين خلف المسلمين والهدف الرئيسي فيه شخص النبي صلى الله عليه وسلم، لم يتزحزح عليه الصلاة والسلام من موقفه والصحابة يسقطون واحدًا تلو الآخر بين يديه, وحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب المشركين وليس معه إلا تسعة من أصحابه سبعة منهم من الأنصار، وكان الهدف أن يفك هذا الحصار، وأن يصعد في الجبل ليمضي إلى جيشه، واستبسل الأنصار في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشهدوا واحدًا بعد الآخر( ), ثم قاتل عنه طلحة بن عبيد الله حتى أُثخن وأصيب بسهم شلت يمينه( ), وأراد النبي صلى الله عليه وسلم إلى صخرة فلم يستطع، فقعد طلحة تحته حتى استوى على الصخرة، قال الزبير: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أوجب طلحة»( ), وقاتل سعد بن أبي وقاص بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يناوله النبال ويقول له: «ارم يا سعد، فداك أبي وأمي»( ), كما قاتل بين يديه أبو طلحة الأنصاري الذي كان من أمهر الرماة، وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «لصوت أبي طلحة في الجيش أشد على المشركين من فئة»( ), وقد كان متترسًا على رسول الله بحجفة، وكان راميًا شديد النزع( ) كسر يومئذ قوسين أو ثلاث، وكان الرجل يمر معه الجعبة( ) من النبل فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انثرها لأبي طلحة» ثم يشرف إلى القوم فيقول أبو طلحة: يا نبي الله بأبي أنت، لا تشرف إلى القوم( ) ألا يصيبك سهم، نحري دون نحرك( )( ).
ووقفت نسيبة بنت كعب تذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وترمي بالقوس وأصيبت بجراح كبيرة، وترس أبو دجانة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحنٍ عليه حتى كثر فيه النبل( ). والتفَّ حول الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظات العصيبة أبو بكر وأبو عبيدة, وقام أبو عبيدة بنزع السهمين من وجه النبي صلى الله عليه وسلم بأسنانه, ثم توارد مجموعة من الأبطال المسلمين، حيث بلغوا قرابة الثلاثين يذودون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم قتادة وثابت بن الدحداح، وسهل بن حنيف، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف،والزبير بن العوام.
واستطاع عمر بن الخطاب أن يرد هجومًا مضادًا قاده خالد ضد المسلمين من عالية الجبل، واستبسل الصحابة الذين كانوا مع عمر في رد الهجوم العنيف, عاد المسلمون فسيطروا على الموقف من جديد( ), ويئس المشركون من إنهاء المعركة بنصر حاسم، وتعبوا من طولها ومن جلادة المسلمين، وانسحب النبي صلى الله عليه وسلم بمن معه ومن لحق به من أصحابه إلى أحد شعاب جبل أحد، وكان المسلمون في حالة من الألم والخوف والغم لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أصابهم، رغم نجاحهم في رد المشركين( ), فأنزل الله عليهم النعاس فناموا يسيرًا، ثم أفاقوا آمنين مطمئنين قال تعالى: ( ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إلى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) [آل عمران: 154]. وقد أجمع المفسرون على أن الطائفة التي قد أهمتهم أنفسهم هم المنافقون( ).
أما قريش فإنها يئست من تحقيق نصر حاسم وأجهد رجالها من طول المعركة، ومن صمود المسلمين وجلدهم وخاصة بعد أن اطمأنوا وأنزل الله عليهم الأمنة والصمود فالتفوا حول النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كفوا عن مطاردة المسلمين وعن محاولة اختراق قواتهم( ).
رابعًا: من شهداء أحد:
أ- حمزة بن عبد المطلب  سيد الشهداء عند الله تعالى يوم القيامة:
قاتل أسد الله حمزة قتالاً ضاريًا، وأثخن في المشركين قتلاً، وأطاح برؤوس نفر من حملة لواء المشركين من بني عبد الدار، وبينما هو على هذه الحالة من الشجاعة والإقدام كمن له وحشي حتى تمكن منه ثم رماه بحربته، فأصاب منه مقتلاً، ولندع وحشيًا يخبرنا عن هذا المشهد المؤلم، قال وحشي: إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، قال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، فلما خرج الناس عام عينين، وعينين جبل بجبال أحد، بينه وبينه واد, خرجت مع الناس إلى القتال، فلما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال: يا سباع، يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحادُّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب. قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته( ) حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به( ), فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل( ) قال: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال: «أنت وحشي؟» قلت: نعم، قال: «أنت قتلت حمزة؟» قلت: قد كان من الأمر ما قد بلغك، قال: «فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟» قال: فخرجت فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب قلت: لأخرجن إلى مسليمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان, فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق( ), ثائر الرأس قال: فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته قال: قال عبد الله ابن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود( ).
1- سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن مقتل حمزة : بعد انتهاء المعركة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: من رأى مقتل حمزة؟ فقال رجل: أنا رأيت مقتله، قال: «فانطلق أرناه» فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على حمزة فرآه وقد شق بطنه، وقد مُثِّل به، فقال: يا رسول الله، مُثل به والله( ), وفي رواية (لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قتل حمزة بكى فلما نظر إليه شهق)( ) ووقف بين ظهراني القتلى فقال: «أنا شهيد على هؤلاء، كفنوهم في دمائهم، فإنه ليس جرح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمي، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، قدموا أكثرهم قرآنًا فاجعلوه في اللحد»( ).
وباستشهاد حمزة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد تحققت رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد أخبر أصحابه عن رؤياه قبل الخروج إلى أحد فقال: «رأيت في سيفي ذي الفقار فلاًّ ( )، فأولته فلاًّ يكون فيكم (أي انهزامًا)، ورأيت أني مردف كبشًا، فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة، فأولتها المدينة، ورأيت بقرًا تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير» فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( ).
2- صبر صفية بنت عبد المطلب على شقيقها حمزة: قال الزبير بن العوام : إنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى كادت تشرف على القتلى، قال: فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم فقال: المرأة المرأة، قال الزبير: فتوسمت أنها صفية قال: فخرجت أسعى إليها، قال: فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلدمت( ) في صدري وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك عني لا أرض لك، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك.
قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله، فكفنوه فيهما. قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل فُعل به كما فُعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وخنى أن يكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له( ).
3- من شعر صفية في بكاء حمزة:
بنات أبي من أعجم( ) وخيبر
أسائلة أصحاب أحد مخافةً

وزير رسول الله خير وزير
فقال الخبير إن حمزة قد ثوى

إلى جنة يحيا بها وسرور
دعاه إله الحق ذو العرش دعوة

لحمزة يوم الحشر خير مصير
فذلك ما كنا نرجي ونرتجي

بكاء وحزنًا محضري ومسيري
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا

يذود عن الإسلام كل كفور
على أسد الله الذي كان مدرها( )

لدى أضبع تعتادني ونسور
فيا ليت شلوى( ) عند ذاك وأعظمي

جزى الله خيرًا من أخ ونصير( )
أقول وقد أعلى النعي عشيرتي

4- حمزة لا بواكي له: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد سمع نساء الأنصار يبكين فقال: «لكن حمزة لا بواكي له» فبلغ ذلك نساء الأنصار فبكين حمزة فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهن يبكين فقال: «يا ويحهن، مازلن يبكين منذ اليوم فليبكين، ولا يبكين على هالك بعد اليوم»( ) وبذلك حرمت النياحة على الميت.
5- رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي غلامًا للأنصار بحمزة: قال جابر بن عبد الله: وُلد لرجل منا غلام، فقالوا: ما نسميه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سموه بأحب الأسماء إليَّ، حمزة بن عبد المطلب» ( ) فحمزة متجذر في القلب النبوي، عالق بالذاكرة الكريمة.. ولكن الله سبحانه ينزل على نبيه صلى الله عليه وسلم فيما بعد أحب الأسماء إليه، فيقولها صلى الله عليه وسلم لمن حوله: «إن أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن» ( ).
6- فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟ ( ): فهذا التوجيه الكريم لا يوجد فيه شيء من المؤاخذة والتأثيم لوحشي, وإنما هو تذكير له بأن رؤيته تجلب له شيئًا من المتاعب النفسية, وتحرك في نفسه ذكريات حادث القتل وما تبعه من تمثيل شنيع بشع بعمه، فتثير عنده حزازات بشرية ربما لا يكون من المستطاع منعها ومقاومتها إلا بشيء من العسر والعنت الشديد, مما قد يشغل النبي صلى الله عليه وسلم ويقلقه( ), فأشار عليه صلى الله عليه وسلم بأن يغيب وجهه حتى يفقد مصدر التذكير بتلك المصيبة( )، وفي رواية صحيحة قال وحشي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: «وحشي» قلت: نعم، قال: «قتلت حمزة؟» قلت: نعم, الحمد الله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيده، فقالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة؟ فقلت: يا رسول الله فاستغفر لي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة، وقال: «وحشي, اخرج فقاتل في سبيل الله، كما قاتلت لتصد عن سبيل الله»( ) فهذا من التوجيه الإرشادي النبوي إلى مكفرات ما سلف من الكفر ومحادة الله تعالى ورسوله، وذكر القتال في سبيل الله بيان للأمر الأنسب في التكفير, وفي حض من النبي صلى الله عليه وسلم لإعلاء راية الجهاد, ولعل مخرج وحشي إلى اليمامة وقتله مسيلمة الكذاب كان أثرًا من آثار توجيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أفضل ما يمحو الخطايا، ويحتُّ الذنوب ويطهر الآثام.
وقد أدرك وحشي ذلك فقال حين قتل مسيلمة الكذاب: قتلت خير الناس يعني سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وقتلت شر الناس مسيلمة الكذاب( ).
ب- مصعب بن عمير :
قال خباب : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى في سبيله ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير قُتل يوم أحد، ولم يترك إلا نمرة، كنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه الإذخر»( )، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها( ), ومن حديث عبد الرحمن بن عوف أنه أتى بطعام وكان صائمًا، فقال: قتل مصعب بن عمير، وكان خيرًا مني, فلم يوجد له ما يُكفن فيه إلا بردة, وقتل حمزة أو رجل آخر خير مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه، إلا بردة، لقد خشيت أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا، ثم جعل يبكي( ) ومن حديث أبي هريرة  قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه ودعا له ثم قرأ هذه الآية: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب: 23] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم, والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه»( ).
ج- سعد بن الربيع : هذا الذي استكتمه رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر مسير قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، فلما انتهت معركة أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى الأسنة شرعت إليه، فقال أبي بن كعب : أنا أنظره لك يا رسول الله، فقال له: «إن رأيت سعد بن الربيع فأقرأه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجدك؟» فنظر أبي فوجده جريحًا به رمق، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات، فقال: قد طعنت اثنتي عشرة طعنة, وقد أنفذت إلى مقاتلي( ), وفي رواية صحيحة قال: على رسول الله وعليك السلام، قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شفر( ) يطرف, قال: وفاضت نفسه رحمه الله( ). وهذا نصح لله ورسوله في سكرات الموت يدل على قوة الإيمان، والحرص على الوفاء بالبيعة لم يتأثر بالموت ولا آلام القروح.
د- عبد الله بن جحش : قال سعد بن أبي وقاص : إن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تدعو الله، فخلوا في ناحية فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقيت العدو، فلقِّني رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمن عبد الله بن جحش، ثم قال: اللهم ارزقني رجلاً شديدًا حرده، شديدًا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت: من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول صدقت, قال سعد: يا بني كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط( ). وفي هذا الخبر جواز دعاء الرجل أن يقتل في سبيل الله، وتمنيه ذلك وليس هذا من تمني الموت المنهي عنه( ).
هـ- حنظلة بن أبي عامر  (غسيل الملائكة): لما انكشف المشركون ضرب حنظلة فرس أبي سفيان بن حرب فوقع على الأرض، فصاح حنظلة يريد ذبحه، فأدركه الأسود بن شداد، ويقال له ابن شعوب، فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه ومشى إليه حنظلة بالرمح وقد أثبته، ثم ضرب الثانية فقتله، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني رأيت الملائكة تغسله بين السماء والأرض بماء المزن، في صحاف الفضة» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاسألوا أهله ما شأنه؟» فسألوا صاحبته عنه فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة( ), فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلذلك غسلته الملائكة»( ).
وفي رواية الواقدي: وكان حنظلة بن أبي عامر تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فأدخلت عليه في الليلة التي في صبحها قتال أحد، وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلى بالصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمته جميلة فعاد فكان معها، فأجنب منها ثم أراد الخروج، وقد أرسلت قبل ذلك إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه قد دخل بها، فقيل لها بعدُ: لم أشهدت عليه؟ قالت: رأيت كأن السماء فرجت فدخل فيها حنظلة ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة، فأشهدت عليه أنه قد دخل بها، وتعلق بعبد الله بن حنظلة, ثم تزوجها ثابت بن قيس بعد فولدت له محمد بن ثابت بن قيس( ).
وفي هذا الخبر مواقف وعبر منها:
1- في تعلق جميلة بنت عبد الله بن أبي حنظلة بن أبي عامر حين رأت له تلك الرؤيا التي فسرتها بالشهادة، فالمظنون في مثل هذه الحال أن تحاول الابتعاد عنه حتى لا تحمل منه فتكون بعد ذلك غير حظية لدى الخطاب، لكنها تعلقت به رجاء أن تحمل منه فتلد ولدًا ينسب لذلك الشهيد الذي بلغ درجات عليا في الصلاح أولاً, ثم بما ترجوه من نيله الشهادة، ولقد حصل لها ما أملت به فحملت منه وولدت ولدًا ذكرا سمي عبد الله، وكان له ذكر بعد ذلك، وكان من أعلى ما يفتخر به أن يقول: أنا ابن غسيل الملائكة.
2- في حرص حنظلة القوي على مقارعة أعداء الله الذي يتمثل في سرعة خروجه إلى الميدان، الأمر الذي لم يتمكن معه من غسل الجنابة.
3- شجاعته الفائقة تظهر في تصديه لقائد المشركين أبي سفيان بن حرب والقائد غالبًا يكون حوله من يحميه، وهو فارس وحنظلة راجل.
4- تشريف رباني كريم في نزول الملائكة لتغسيل حنظلة بمياه المزن في صحاف الفضة.
5- معجزة نبوية في إخبار الصحابة عما قامت به الملائكة من تغسيل, حيث رأى صلى الله عليه وسلم الملائكة وهي تغسل ولم ير الصحابة ذلك( ).
6- إذا كان الشهيد جنبًا، غسل، كما غسلت الملائكة حنظلة بن أبي عامر( ).
و- عبد الله بن عمرو بن حرام : أصر عبد الله بن عمرو بن حرام على الخروج في غزوة أحد، فخاطب ابنه جابر بقوله: يا جابر، لا عليك أن تكون في نظاري المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا، فإني والله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي( ).
وقال لابنه أيضا: ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن على دينًا فاقض واستوص بأخواتك خيرًا( ). وخرج مع المسلمين ونال وسام الشهادة في سبيل الله، فقد قتل في معركة أحد, وهذا جابر يحدثنا عن ذلك حيث يقول: لما قُتل أبي يوم أحد، جعلت أكشف عن وجهه وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني وهو لا ينهاني، وجعلت عمتي تبكيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه»( ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جابر ما لي أراك منكسرًا؟» قال: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالاً ودينًا، قال صلى الله عليه وسلم: «أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟» قال: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: «ما كلَّم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحًا، يا جابر أما علمت أن الله أحيا أباك فقال: يا عبدي، تمنَّ عليّ أعطك، قال: يا رب تحييني فأُقتل فيك ثانية، فقال الرب سبحانه: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون, قال: يا رب.. فأبلغ من ورائي»( ). فأنزل الله تعالى: ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [آل عمران: 169]، وقد رأى عبد الله بن عمرو رؤية في منامه قبل أحد, قال: رأيت في النوم قبل أحد، مبشر بن عبد المنذر يقول لي: أنت قادم علينا في أيام، فقلت: وأين أنت؟ فقال: في الجنة نسرح فيها كيف نشاء، قلت له: ألم تقتل يوم بدر؟ قال: بلى ثم أحييت، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه الشهادة يا أبا جابر( ), وقد تحققت تلك الرؤيا بفضل الله ومنه.
ز-خيثمة أبو سعد : قال خيثمة أبو سعد، وكان ابنه استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، لقد أخطأتني وقعة بدر، وكنت والله عليها حريصًا، حتى ساهمت ابني في الخروج، فخرج سهمه، فرزق الشهادة، وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها، ويقول: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقًا، وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة، وقد كبرت سني، ورقَّ عظمي، وأحببت لقاء ربي، فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة، ومرافقة سعد في الجنة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقتل بأحد شهيدًا( ).
ح- وهب المزني وابن أخيه رضي الله عنهما: أقبل وهب بن قابوس المزني، ومعه ابن أخيه الحارث بن عقبة بن قابوس، بغنم لهما من جبل مزينة، فوجدا المدينة خلوًا فسألا: أين الناس؟ فقالوا: بأحد، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين من قريش، فقالا: لا نبتغي أثرًا بعد عين فخرجا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم بأحد فيجدان القوم يقتتلون والدولة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأغارا مع المسلمين في النهب، وجاءت الخيل من وراءهم، خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل، فاختلطوا، فقاتلا أشد القتال، فانفرقت فرقة من المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لهذه الفرقة؟» فقال وهب بن قابوس: أنا يا رسول الله، فقام فرماهم بالنبل حتى انصرفوا ثم رجع. فانفرقت فرقة أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لهذه الكتيبة؟» فقال المزني: أنا يا رسول الله، فقام فذبها بالسيف حتى ولوا، ثم رجع المزني، ثم طلعت كتيبة أخرى فقال: «من يقوم لهؤلاء؟» فقال المزني: أنا يا رسول الله، فقال: «قم، وأبشر بالجنة» فقام المزني مسرورًا يقول: والله لا أقيل ولا أستقيل، فقام فجعل يدخل فيهم فيضرب بالسيف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى المسلمين، حتى خرج من أقصاهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم ارحمه» ثم يرجع فيهم, فما زال كذلك وهم محدقون به، حتى اشتملت عليه أسيافهم ورماحهم فقتلوه، فوجد به يومئذ عشرون طعنة برمح، كلها قد خلصت إلى مقتل، ومُثل به أقبح المثلة يومئذ, ثم قام ابن أخيه فقاتل قتاله حتى قتل, فكان عمر بن الخطاب يقول: إن أحب ميتة أموت لما مات عليها المزني( ).
وكان بلال بن الحارث المزني يحدث يقول: شهدنا القادسية مع سعد بن أبي وقاص، فلما فتح الله علينا وقسمت بيننا غنائمنا، فأسقط فتى من آل قابوس من مزينة( ), فجئت سعدًا حين فرغ من نومه فقال: بلال؟ قلت: بلال, قال: مرحبًا بك, من هذا معك؟ قلت: رجل من قومي من آل قابوس، قال سعد: ما أنت يا فتى من المزني الذي قتل يوم أحد؟ قال: ابن أخيه، قال سعد: مرحبًا وأهلاً وأنعم الله بك عينًا، ذلك الرجل شهدت منه يوم أحد مشهدًا ما شهدته من أحد، لقد رأيتنا وقد أحدق المشركون بنا من كل ناحية ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطنا, والكتائب تطلع من كل ناحية، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرمي ببصره في الناس يتوسمهم( ) يقول: «من لهذه الكتيبة؟» كل ذلك يقول المزني: أنا يا رسول الله، كل ذلك يرده فما أنسى آخر مرة قامها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم وأبشر بالجنة» قال سعد: وقمت على أثره يعلم الله أني أطلب مثل ما يطلب يومئذ من الشهادة، فخضنا حومتهم حتى رجعنا فيهم الثانية، وأصابوه -رحمه الله- وودت والله أني كنت أصبت يومئذ معه، ولكن أجلي استأخر، ثم دعا سعد من ساعته بسهمه فأعطاه وفضله، وقال: اختَرْ في المقام عندنا أو الرجوع إلى أهلك، فقال بلال: إنه يستحب الرجوع، فرجعنا.
وقال سعد: أشهد لرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا عليه وهو مقتول، وهو يقول: «رضي الله عنك فإني عنك راضٍ»، ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على قدميه وقد نال النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح ما ناله، وإني لأعلم أن القيام ليشق عليه على قبره حتى وُضع في لحده، وعليه بردة لها أعلام خضر، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم البردة على رأسه فخمره، وأدركه فيها طولا، وبلغت نصف ساقيه، وأمرنا فجمعنا الحرمل فجعلناه على رجليه, وهو في لحده، ثم انصرف، فما حال أموت عليها أحبُّ إليَّ من أن ألقى الله تعالى على حال المزني( ).
وهكذا يفعل الإيمان بأصحابه فهذا وهب المزني وابن أخيه تركا الأغنام بالمدينة والتحقا بصفوف المسلمين وحرصا على نيل الشهادة، فأكرمهما الله بها، وقد كانت تلك الملحمة التي سطرها المزني محفورة في ذاكرة الصحابة، فهذا سعد بن أبي وقاص يتذكرها بعد مرور ثلاث عشرة سنة تقريبا على غزوة أحد لمجرد سماع اسم رجل من عشيرة المزني ويتمنى أن يموت ويلقى الله على مثل حالة المزني.
ط- عمرو بن الجموح : كان عمرو بن الجموح  أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأُسْد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، وهم خلاد ومعوذ ومعاذ وأبو أيمن، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا: إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنت فقد عذرك الله تعالى فلا جهاد عليك» وقال لبنيه: «ما عليكم ألا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة» فخرج وهو يقول مستقبل القبلة: اللهم لا تردني إلى أهلي خائبًا فقتل شهيدًا.
وفي رواية أتى عمرو بن الجموح  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة، وكانت رجله عرجاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» فقتلوه يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجُعلوا في قبر واحد( ).
وفي هذا الخبر دليل على أن من عذره الله في التخلف عن الجهاد لمرض أو عرج، يجوز له الخروج إليه، وإن لم يجب عليه، كما خرج عمرو بن الجموح وهو أعرج( ).
وفيه دليل على شجاعة عمرو بن الجموح ورغبته في نيل الشهادة وصدقه في طلبها، وقد أكرمه الله بذلك.
ي- أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش -رضي الله عنهم-: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حُسيل بن جابر، وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان، وثابت بن وقش في الآطام( ) مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران: لا أبا لك، ما تنتظر؟ فوالله ما بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء( ) حمار, إنما نحن هامة اليوم أو غد( ), أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما، فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه، فقال حذيفة: أبي، فقالوا: والله إن عرفناه، وصدقوا، قال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم( ) خيرًا. وفي هذا الخبر، يظهر أثر الإيمان في نفوس الشيوخ الكبار الذين عذرهم الله في الجهاد وكيف تركوا الحصون وخرجوا إلى ساحات الوغى طلبًا للشهادة وحبًا وشوقًا للقاء الله تعالى، وفيه موقف عظيم لحذيفة، حيث تصدق بدية والده على المسلمين، ودعا لهم بالمغفرة لكونهم قتلوا والده خطأ، وفيه أيضًا: أن المسلمين إذا قتلوا واحدًا منهم في الجهاد يظنونه كافرًا، فعلى الإمام ديته من بيت المال؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدي اليمان أبا حذيفة، فامتنع حذيفة من أخذ الدية، وتصدق بها على المسلمين( ).
ك- الأمور بخواتيمها: إن الأمور بخواتيمها, وقد وقع في غزوة أحد ما يحقق هذه القاعدة المهمة في هذا الدين، فقد وقع حادثان يؤكدان هذا الأمر، وفيهما عظة وعبرة لكل مسلم متعظ ومعتبر( ).
1- شأن الأصيرم : واسمه عمرو بن ثابت بن وقش، عرض عليه الإسلام فلم يسلم، وروى قصته أبو هريرة : أن الأصيرم كان يأبى الإسلام على قومه، فجاء ذات يوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأُحد فقال: أين سعد بن معاذ؟ فقيل: بأحد، فقال: أين بنو أخيه؟ قيل: بأحد: فسأل عن قومه فقيل: بأحد, فبدا له الإسلام فأسلم، وأخذ سيفه، ورمحه، وأخذ لأمته، وركب فرسه فعدا حتى دخل في عرض الناس، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى أثخنته الجراحة، فبينما رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذ هم به، فقالوا: والله إن هذا الأصيرم، ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث، فسألوه: ما جاء بك؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله تعالى ورسوله، وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني، وإن مت فأموالي إلى محمد يضعها حيث شاء، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه من أهل الجنة». وقيل: مات فدخل الجنة وما صلى من صلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَمِل قليلاً وأُجر» ( ) وكان أبو هريرة يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصل قط، فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو؟ قال: هو أصيرم بن عبد الأشهل( ).
2- شأن مخيريق: لما كانت غزوة أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، جمع مخيرقٌ قومه اليهود وقال لهم: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدته، وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قُتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مخيريق خير يهود( ).
وقد اختلف في إسلامه, فنقل الذهبي في التجريد وابن حجر في الإصابة عن الواقدي( ) أن مخيريق مات مسلمًا، وذكر السهيلي في الروض الأنف أنه مسلم، وذلك حين قال معقبًا على رواية ابن إسحاق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مخيريق خير يهود» قال: ومخيريق مسلم، ولا يجوز أن يقال في مسلم هو خير النصارى، ولا خير اليهود؛ لأن أفعل من كذا، إذا أضيف فهو بعض ما أضيف إليه، فإن قيل: وكيف جاز هذا؟ قلنا: لأنه قال: خير يهود، ولم يقل خير اليهود، ويهود اسم علم كثمود، يقال: إنهم نسبوا إلى يهوذا بن يعقوب ثم عربت الذال دالا( ). وقد حقق هذه المسألة الدكتور عبد الله الشقاوي في كتابه (اليهود في السنة المطهرة) وذهب إلى أن مخيريق قد أسلم، ودفعه ذلك إلى القتال مع المسلمين، وإلى التصدق بماله مع كثرته، ومع ما عرف عن اليهود من حب المال والتكالب عليه( ).
ل- إنما الأعمال بالنيات: كان ممن قاتل مع المسلمين يوم أحد رجل يدعى قزمان، كان يعرف بالشجاعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له: إنه من أهل النار، فتأخر يوم أحد فعيرته نساء بني ظفر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسوي الصفوف حتى انتهى إلى الصف الأول، فكان أول من رمى من المسلمين بسهم، فجعل يرسل نبلاً كأنها الرماح ويكت كتيت الجمل، ثم فعل بالسيف الأفاعيل حتى قتل سبعة أو تسعة وأصابته جراحة، فوقع فناداه قتادة بن النعمان: يا أبا الغيداق، هنيئًا لك الشهادة, وجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر، قال: بماذا؟ فوالله ما قاتلت إلى على أحساب قومي، فلولا ذلك ما قاتلت، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه من أهل النار، إن الله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»( ). وفي هذا الخبر بيان لمكان النية في الجهاد، وإنه من قاتل حمية عن قومه أو ليقال شجاع ولم تكن أعماله لله تعالى لا يقبل الله منه.
خامسًا: من دلائل النبوة:
1- عين قتادة بن النعمان : أصيبت عين قتادة  حتى سقطت على وجنتيه فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده, فكانت أحسن عينيه وأحدَّهما، وأصبحت لا ترمد إذا رمدت الأخرى( ), وقد قدم ولده على عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فسأله من أنت؟ فقال له مرتجلا:
فردت بكف المصطفى أحسن الرد
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه

فيا حسنها عينًا ويا حسن ما خد
فعادت كما كانت لأول أمرها

فقال عمر بن عبد العزيز عند ذلك:
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن

ثم وصله فأحسن جائزته( ).
2- مقتل أبي بن خلف: كان أبي بن خلف يلقى رسول الله بمكة، فيقول: يا محمد إن عندي العود فرسًا أعلفه كل يوم، أقتلك عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أنا أقتلك إن شاء الله» فلما كان يوم أحد، وأسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: أي محمد لا نجوت، فقال القوم: يا رسول الله، أيعطف عليه رجل منا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دعوه» فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتفاضة تطاير عنه من حوله تطاير الشعراء( ) عن ظهر البعير إذا انتفض بها, ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ ( ) منها عن فرسه، فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشًا غير كبير، فاحتقن الدم، قال: قتلني والله محمد, قالوا له: ذهب والله فؤادك، والله إن بك من بأس، قال: إنه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك، فوالله لو بصق علي لقتلني، فمات عدو الله بسرف( ), وهم قافلون به إلى مكة( ).
وفي هذا الخبر مثل رفيع على شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان أبي بن حلف مدججًا بالسلاح ومتدرعًا بالحديد الواقي، ومع ذلك استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعنه بالرمح من فرجة صغيرة في عنقه بين الدرع والبيضة، وهذا يدل على قدرة رسول الله القتالية ودقته في إصابة الهدف، وفي هذا الخبر معجزة للنبي فقد أخبر أبيًا بأنه سوف يقتله بمشيئة الله وتم ذلك، وفي الخبر عبرة في إيمان المشركين بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه إذا قال شيئًا وقع, فقد كان أبي بن خلف على يقين بأنه سيموت من تلك الطعنة، ومع ذلك لم يدخلوا في الإسلام لعنادهم وعبادة أهوائهم( ). وقد خلد حسان بن ثابت هذه الحادثة في شعره فقال:
أبي يوم بارزه الرسول
لقد ورث الضلالة عن أبيه

وتوعده وأنت به جهول( )
أتيت إليه تحمل رم عظم

* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://theroadtoparadise.alafdal.net
 
السيرة النبوية الجزء الثاني -8
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السيرة النبوية الجزء الثاني -10
» السيرة النبوية الجزء الثاني -26
» السيرة النبوية الجزء الثاني-41
» السيرة النبوية الجزء الثاني -11
» السيرة النبوية الجزء الثاني -27

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الطريق الى الجنة :: السيرة المطهرة-
انتقل الى: