الطريق الى الجنة
اخي الحبيب تقرب الى الله ليتقرب الله اليك
ادعوك للتسجيل في المنتدى وابني مستقبلك

الادارة
الطريق الى الجنة
اخي الحبيب تقرب الى الله ليتقرب الله اليك
ادعوك للتسجيل في المنتدى وابني مستقبلك

الادارة
الطريق الى الجنة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطريق الى الجنة

منتدى اسلامي ثقافي اجتماعي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 السيرة النبوية الجزء الاول -18

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 99
تاريخ التسجيل : 31/10/2012
العمر : 64

السيرة النبوية الجزء الاول -18 Empty
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الجزء الاول -18   السيرة النبوية الجزء الاول -18 I_icon_minitimeالخميس نوفمبر 01, 2012 5:31 am

المبحث الثالث
بيعة العقبة الثانية
قال جابر بن عبد الله : [.. فقلنا، حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف، فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين, حتى توافينا فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك؟
قال: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله, لا تخافون في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة».
قال: فقمنا إليه فبايعناه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو من أصغرهم، فقال: رويدًا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتلُ خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم جبينة, فبينوا ذلك, فهو أعذر لكم عند الله قالوا: أمط عنا يا أسعد، فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا، ولا نسليها أبدًا, قال: فقمنا إليه فبايعناه، فأخذ علينا وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة]( ).
وهكذا بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة والنصرة والحرب؛ لذلك سماها عبادة بن الصامت بيعة الحرب( )، أما رواية الصحابي كعب بن مالك الأنصاري، وهو أحد المبايعين في العقبة الثانية، ففيها تفاصيل مهمة قال: «خرجنا في حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا.. ثم خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق... وكنا نكتم من معنا من المشركين أمرنا، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً ومعنا امرأتان من نسائنا، نُسيبة بنت كعب، وأسماء بنت عمرو، فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه, إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه, ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب: فبين أن الرسول في منعة من قومه بني هاشم، ولكنه يريد الهجرة إلى المدينة؛ ولذلك فإن العباس يريد التأكد من حماية الأنصار له وإلا فليدعوه فطلب الأنصار أن يتكلم رسول الله، فيأخذ لنفسه ولربه ما يحب من الشروط.
قال: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحرب، وأهل الحلقة، ورثناها كابرًا عن كابر، فقاطعه أبو الهيثم بن التيهان متسائلا: يا رسول الله، إن بيننا وبين القوم حبالاً، وإنا قاطعوها (يعني اليهود) فهل عسيتم إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدَعنا؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم, وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم».
ثم قال: «أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم».
فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.
وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم الانصراف إلى رحالهم، وقد سمعوا الشيطان يصرخ منذرًا قريشًا، فقال العباس بن عبادة بن نضلة: والله الذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلنَّ على أهل منى غدًا بأسيافنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم» فرجعوا إلى رحالهم، وفي الصباح جاءهم جمع من كبار قريش، يسألونهم عما بلغهم من بيعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوتهم له للهجرة، فحلف المشركون من الخزرج والأوس بأنهم لم يفعلوا والمسلمون ينظرون إلى بعضهم( ) قال: ثم قال القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وعليه نعلان جديدان قال: فقلت له كلمة, كأني أريد أن أشرك القوم فيما قالوا بها: يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟ قال: فسمعهما الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بها إلي، وقال: والله لتنتعِلنَّهما، قال: يقول أبو جابر: مه أحفظت والله الفتى, فاردد إليه نعليه، قال: قلت: لا، والله لا أردهما فأل والله صالح، لئن صدق الفأل لأسلُبنَّه ( ).
دروس وعبر وفوائد:
1- كانت هذه البيعة العظمى بملابساتها، وبواعثها، وآثارها، وواقعها التاريخي (فتح الفتوح)؛ لأنها كانت الحلقة الأولى في سلسلة الفتوحات الإسلامية التي تتابعت حلقاتها في صور متدرجة مشدودة بهذه البيعة، منذ اكتمل عقدها بما أخذ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عهود ومواثيق على أقوى طليعة من طلائع أنصار الله الذين كانوا أعرف الناس بقدر مواثيقهم وعهودهم، وكانوا أسمح الناس بالوفاء بما عاهدوا الله ورسوله عليه, من التضحية, مهما بلغت متطلباتها من الأرواح والدماء والأموال, فهذه البيعة في بواعثها هي بيعة الإيمان بالحق ونصرته، وهي في ملابساتها قوة تناضل قوى هائلة, تقف متألبة عليها، ولم يغب عن أنصار الله قدرها ووزنها في ميادين الحروب والقتال، وهي في آثارها تشمير ناهض بكل ما يملك أصحابها من وسائل الجهاد القتالي في سبيل إعلاء كلمة الله على كل عالٍ مستكبر في الأرض حتى يكون الدين كله لله، وهي في واقعها التاريخي صدق وعدل, ونصر واستشهاد, وتبليغ لرسالة الإسلام( ).
2- إن حقيقة الإيمان وأثره في تربية النفوس تظهر آثارها في استعداد هذه القيادات الكبرى لأن تبذل أرواحها ودماءها في سبيل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون لها الجزاء في هذه الأرض كسبًا ولا منصبًا ولا قيادة ولا زعامة، وهم الذين أفنوا عشرات السنين من أعمارهم يتصارعون على الزعامة والقيادة, إنه أثر الإيمان بالله وبحقيقة هذا الدين عندما يتغلغل في النفوس( ).
3- يظهر التخطيط العظيم في بيعة العقبة، حيث تمت في ظروف غاية في الصعوبة، وكانت تمثل تحديًّا خطيرًا وجريئًا لقوى الشرك في ذلك الوقت؛ ولذلك كان التخطيط النبوي لنجاحها في غاية الإحكام والدقة على النحو التالي( ):
أ- سرية الحركة والانتقال لجماعة المبايعين، حتى لا ينكشف الأمر, فقد كان وفد المبايعة المسلم, سبعين رجلا وامرأتين، من بين وفد يثربي قوامه نحو خمسمائة، مما يجعل حركة هؤلاء السبعين صعبة، وانتقالهم أمرًا غير ميسور، وقد تحدد موعد اللقاء في ثاني أيام التشريق بعد ثلث الليل، حيث النوم قد ضرب أعين القوم، وحيث قد هدأت الرِّجْل، كما تم تحديد المكان في الشعب الأيمن، بعيدا عن عين من قد يستيقظ من النوم لحاجة( ).
ب- الخروج المنظم لجماعة المبايعين إلى موعد ومكان الاجتماع، فخرجوا يتسللون مستخفين، رجلاً رجلاً، أو رجلين رجلين.
ج- ضرب السرِّية التامة على موعد ومكان الاجتماع، بحيث لم يعلم به سوى العباس بن عبد المطلب الذي جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ليتوثق له( ) وعلي بن أبي طالب الذي كان عينًا للمسلمين على فم الشِّعب، وأبو بكر الذي كان على فم الطريق وهو الآخر عينٌ للمسلمين( )، أما من عداهم من المسلمين, وغيرهم فلم يكن يعلم عن الأمر شيئًا، وقد أمر جماعة المبايعين أن لا يرفعوا الصوت، وأن لا يطيلوا في الكلام، حذرًا من وجود عين يسمع صوتهم، أو يجس حركتهم( ).
د- متابعة الإخفاء والسرية حين كشف الشيطان أمر البيعة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعوا إلى رحالهم ولا يحدثوا شيئًا، رافضًا الاستعجال في المواجهة المسلحة التي لم تتهيأ لها الظروف بعد، وعندما جاءت قريش تستبرئ الخبر، موه المسلمون عليهم بالسكوت، أو المشاركة بالكلام الذي يشغل عن الموضوع( ).
هـ- اختيار الليلة الأخيرة من ليالي الحج، وهي ليلة الثالثة عشر من ذي الحجة، حيث سينفر الحجاج إلى بلادهم ظهر اليوم التالي وهو اليوم الثالث عشر، ومن ثم تضيق الفرصة أمام قريش في اعتراضهم أو تعويقهم إذا انكشف أمر البيعة، وهو أمر متوقع وهذا ما حدث( ).
4- كانت البنود الخمسة للبيعة من الوضوح والقوة بحيث لا تقبل التمييع والتراخي, إنه السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في اليسر والعسر, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام في الله لا تأخذهم فيه لومة لائم, ونصر لرسول الله وحمايته إذا قدم المدينة( ).
5- سرعان ما استجاب قائد الأنصار دون تردد البراء بن معرور, قائلا: والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا, فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحرب, وأهل الحلقة، ورثناها كابرًا عن كابر، فهذا زعيم الوفد يعرض إمكانيات قومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقومه أبناء الحرب والسلاح( )، ومما تجدر الإشارة إليه في أمر البراء أنه عندما جاء مع قومه من يثرب قال لهم: إني قد رأيت رأيًا فوالله ما أرى أتوافقوني عليه أم لا؟
فقالوا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البنية –يعني الكعبة– مني بظهر، وأن أصلي إليها، فقالوا له: والله ما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام ببيت المقدس، وما نريد أن نخالفه، فكانوا إذا حضرت الصلاة صلوا إلى بيت المقدس، وصلى هو إلى الكعبة، واستمروا كذلك حتى قدموا مكة، وتعرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع عمه العباس بالمسجد الحرام، فسأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم العباسَ: «هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل» قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الشاعر؟» قال: نعم, فقص عليه البراء ما صنع في سفره من صلاته إلى الكعبة، قال: فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: «قد كنت على قبلة لو صبرت عليها»( ) قال كعب: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى معنا إلى الشام، فلما حضرته الوفاة أمر أهله أن يوجهوه قبل الكعبة، ومات في صفر قبل قدومه صلى الله عليه وسلم بشهر، وأوصى بثلث ماله للنبي صلى الله عليه وسلم، فقبله ورده على ولده، وهو أول من أوصى بثلث ماله( ) ويستوقفنا في هذا الخبر:
أ- الانضباط والالتزام من المسلمين بسلوك رسولهم وأوامره، وإن أي اقتراح مهما كان مصدره يتعارض مع ذلك, يعتبر مرفوضًا، وهذه من أولويات الفقه في دين الله، تأخذ حيزها من حياتهم وهم بعد ما زالوا في بداية الطريق.
ب- إن السيادة لم تعد لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن توقير أي إنسان واحترامه, إنما هو انعكاس لسلوكه والتزامه بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا بدأت تنزاح تقاليد جاهلية لتحل محلها قيم إيمانية, فهي المقاييس الحقة التي بها يمكن الحكم على الناس تصنيفًا وترتيبًا( ).
6- كان أبو الهيثم بن التيِّهان صريحًا عندما قال للرسول صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها، يعني اليهود، فهل عسيتم إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله, أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم»، وهذا الاعتراض يدلنا على الحرية العالية, التي رفع الله تعالى المسلمين إليها بالإسلام، حيث عبر عمَّا في نفسه بكامل حريته( ) وكان جواب سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عظيمًا، فقد جعل نفسه جزءًا من الأنصار والأنصار جزءًا منه( ).
7- يؤخذ من اختيار النقباء دروس مهمة منها:
أ- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين النقباءَ إنما ترك طريق اختيارهم إلى الذين بايعوا، فإنهم سيكونون عليهم مسئولين وكفلاء، والأولى أن يختار الإنسان من يكفله ويقوم بأمره، وهذا أمر شوري وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمارسوا الشورى عمليًّا من خلال اختيار نقبائهم.
ب- التمثيل النسبي في الاختيار، من المعلوم أن الذين حضروا البيعة من الخزرج أكثر من الذين حضروا البيعة من الأوس، ثلاثة أضعاف من الأوس بل يزيدون، ولذلك كان النقباء ثلاثة من الأوس وتسعة من الخزرج( ).
ج- جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقباء مشرفين على سير الدعوة في يثرب، حيث استقام عود الإسلام هناك، وكثر معتنقوه، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشعرهم أنهم لم يعودوا غرباء لكي يبعث إليهم أحدًا من غيرهم، وأنهم غدوا أهل الإسلام وحماته وأنصاره( ).
8- تأكد زعماء مكة من حقيقة الصفقة التي تمت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنصار، فخرجوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر، والمنذر بن عمرو وكلاهما كان نقيبًّا، فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فأخذوه، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته, وكان ذا شعر كثير( ) واستطاع أن يتخلص من قريش بواسطة الحارث بن حرب بن أمية وجبير بن مطعم؛ لأنه كان يجير تجارتهم ببلده، فقد أنقذته أعراف الجاهلية، ولم تنقذه سيوف المسلمين، ولم يجد في نفسه غضاضة من ذلك، فهو يعرف أن المسلمين مطاردون في مكة، وعاجزون عن حماية أنفسهم. ( )
9- في قول العباس بن عبادة بن نضلة: والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدًا بأسيافنا، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم» درس تربوي بليغ, وهو أن الدفاع عن الإسلام، والتعامل مع أعداء هذا الدين ليس متروكًا لاجتهاد أتباعه، وإنما هو خضوع لأوامر الله تعالى وتشريعاته الحكيمة فإذا شرع الجهاد فإن أمر الإقدام أو الإحجام متروك لنظر المجتهدين بعد التشاور ودراسة الأمر من جميع جوانبه( )، وكلما كانت عبقرية التخطيط السياسي أقوى أدت إلى نجاح المهمات أكثر، وإخفاء المخططات عن العدو وتنفيذها هو الكفيل بإذن الله بنجاحها «ولكن ارجعوا إلى رحالكم»( ).
10- كانت البيعة بالنسبة للرجال ببسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقالوا: له ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه، وأما بيعة المرأتين اللتين شهدتا الوقعة فكانت قولاً، ما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أجنبية قط، فلم يتخلف أحد في بيعته صلى الله عليه وسلم حتى المرأتان بايعتا بيعة الحرب، وصدقتا عهدهما، فأما نسيبة بنت كعب (أم عمارة) فقد سقطت في أحد، وقد أصابها اثنا عشر جرحًا، وقد خرجت يوم أحد مع زوجها زيد بن عاصم بن كعب ومعها سقاء تسقي به المسلمين، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تباشر القتال، وتذب عنه بالسيف وقد أصيبت بجراح عميقة وشهدت بيعة الرضوان( ) وقطع مسيلمة الكذاب ابنها إربا إربا فما وهنت وما استكانت( )، وشهدت معركة اليمامة في حروب الردة مع خالد بن الوليد فقاتلت حتى قطعت يدها وجرحت اثني عشر جرحًا( )، وأما الثانية فهي أسماء ابنة عمرو من بني سليمة قيل: هي والدة معاذ بن جبل، وقيل: ابنة عمة معاذ بن جبل رضي الله عنهم جميعًا( ).
11- عندما نراجع تراجم أصحاب العقبة الثانية، من الأنصار في كتب السير والتراجم نجد أن هؤلاء الثلاثة والسبعين قد استشهد قرابة ثلثهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ونلاحظ أنه قد حضر المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة النصف، فثلاثة وثلاثون منهم كانوا بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع غزواته، وأما الذين حضروا غزوة بدر فكانوا قرابة السبعين.
لقد صدق هؤلاء الأنصار عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من قضى نحبه ولقي ربه شهيدًا، ومنهم من بقي حتى ساهم في قيادة الدولة المسلمة وشارك في أحداثها الجسام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبمثل هذه النماذج قامت دولة الإسلام، النماذج التي تعطي ولا تأخذ، والتي تقدم كل شيء، ولا تطلب شيئًا إلا الجنة، ويتصاغر التاريخ في جميع عصوره ودهوره أن يحوي في صفحاته، أمثال هؤلاء الرجال( ).
***

المبحث الرابع
الهجــــرة إلى المدينــــــة
أولاً: التمهيد والإعداد لها:
إن الهجرة إلى المدينة سبقها تمهيد وإعداد وتخطيط من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بتقدير الله تعالى وتدبيره، وكان هذا الإعداد في اتجاهين، إعداد في شخصية المهاجرين، وإعداد في المكان المهاجر إليه.
1- إعداد المهاجرين:
لم تكن الهجرة نزهة أو رحلة يروح فيها الإنسان عن نفسه، ولكنها مغادرة الأرض والأهل، ووشائج القربى، وصلات الصداقة والمودة، وأسباب الرزق، والتخلي عن كل ذلك من أجل العقيدة، ولهذا احتاجت إلى جهد كبير حتى وصل المهاجرون إلى قناعة كاملة بهذه الهجرة ومن تلك الوسائل:
- التربية الإيمانية العميقة التي تحدثنا عنها في الصفحات الماضية.
- الاضطهاد الذي أصاب المؤمنين حتى وصلوا إلى قناعة كاملة بعدم إمكانية المعايشة مع الكفر.
- تناول القرآن المكي التنويه بالهجرة، ولفت النظر إلى أن أرض الله واسعة، قال تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [الزمر: 10].
ثم تلا ذلك نزول سورة الكهف، وتحدثت عن الفتية الذين آمنوا بربهم وعن هجرتهم من بلدهم إلى الكهف، وهكذا استقرت صورة من صور الإيمان في نفوس الصحابة وهي ترك أهلها ووطنها من أجل عقيدتها.
ثم تلا ذلك آيات صريحة تتحدث عن الهجرة في سورة النحل، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ  الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) [النحل: 41،42].
وفي أواخر السورة يؤكد المعنى مرة أخرى بقوله تعالى: ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [النحل: 110].
وكانت الهجرة إلى الحبشة تدريباً عملياًّ على ترك الأهل والوطن( ).
2- الإعداد في يثرب:
نلاحظ: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسارع بالانتقال إلى الأنصار من الأيام الأولى، وإنما أخر ذلك لأكثر من عامين، حتى تأكد من وجود القاعدة الواسعة نسبيًّا، كما كان في الوقت نفسه يتم إعدادها في أجواء القرآن الكريم، وخاصة بعد انتقال مصعب إلى المدينة.
وقد تأكد أن الاستعداد لدى الأنصار قد بلغ كماله، وذلك بطلبهم هجرة الرسول الكريم إليهم، كما كانت المناقشات التي جرت في بيعة العقبة الثانية، تؤكد الحرص الشديد من الأنصار على تأكيد البيعة، والاستيثاق للنبي صلى الله عليه وسلم بأقوى المواثيق على أنفسهم، وكان في رغبتهم أن يميلوا على أهل منى، ممن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسيافهم لو أذن الرسول الكريم بذلك، ولكنه قال لهم: «لم أؤمر بذلك».
وهكذا تم الإعداد لأهل يثرب ليكونوا قادرين على استقبال المهاجرين وما يترتب على ذلك من تبعات( ).
ثانياً: طلائع المهاجرين:
لما بايعت طلائع الخير ومواكب النور من أهل يثرب النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام، والدفاع عنه، ثارت ثائرة المشركين، فازدادوا إيذاء للمسلمين، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، وكان المقصود من الهجرة إلى المدينة إقامة الدولة الإسلامية التي تحمل الدعوة، وتجاهد في سبيلها، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله( ) وكان التوجه إلى المدينة من الله تعالى، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه، وقد جعل الله له منعة، وقوماً أهل حرب وعدة، ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج، فيضيقوا على أصحابه وتعبثوا( ) بهم ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى، فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنوه في الهجرة، فقال: «قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان، ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي»، ثم مكث أياماً ثم خرج إلى أصحابه مسروراً فقال: «قد أخبرت بدار هجرتكم، وهي يثرب، فمن أراد الخروج فيخرج إليها».
فجعل القوم يتجهون ويتوافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك، فكان أول من قدم المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو سلمة بن عبد الأسد، ثم قدم بعده عامر بن ربيعة معه امرأته ليلى بنت أبي حَثْمة، فهي أول ظعينة قدمت المدينة، ثم قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالاً، فنزلوا على الأنصار، في دورهم فآووهم ونصروهم وآسوهم، وكان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين بقباء، قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم فلما خرج المسلمون في هجرتهم إلى المدينة، كَلِبَت( ) قريش عليهم، وحربوا واغتاظوا على من خرج من فتيانهم، وكان نفر من الأنصار بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة الآخرة، ثم رجعوا إلى المدينة، فلما قدم أول من هاجر إلى قباء خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، حتى قدموا مع أصحابه في الهجرة، فهم مهاجرون أنصاريون، وهم ذكوان بن عبد قيس، وعقبة بن وهب بن كلدة والعباس بن عبادة بن نضلة، وزياد بن لبيد، وخرج المسلمون جميعاً إلى المدينة فلم يبقَ بمكة فيهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعلي، أو مفتون أو مريض أو ضعيف عن الخروج( ).
ثالثاً: من أساليب قريش في محاربة المهاجرين ومن مشاهد العظمة في الهجرة:
عملت قيادة قريش ما في وسعها للحيلولة دون خروج من بقي من المسلمين إلى المدينة، واتبعت في ذلك عدة أساليب منها:
1- أٍسلوب التفريق بين الرجل وزوجه وولده:
ونترك أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية تحدثنا عن روائع الإيمان وقوة اليقين في هجرتها وهجرة زوجها أبي سلمة قالت رضي الله عنها: «لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره، ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبْتَنَا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها إلى البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة. قالوا: لا، والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة. قالت: ففرق بيني وبين زوجي، وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريباً منها، حتى مرّ بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي، فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟ قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني. قالت: فارتحلتُ بعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله. قالت: فقلت: أتبلغ بمن لقيت، حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار. فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلت: أريد زوجي بالمدينة. قال: أو ما معك أحد؟ قالت: فقلت: لا والله إلا الله وبني هذا. قال: والله ما لك من مترك.
فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت عنه أستأخر ببعيري فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى إلى الشجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني فقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية، وكان أبو سلمة بها نازلاً، فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعاً إلى مكة.
قال فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحباً قط أكرم من عثمان بن طلحة»( ).
فهذا مثل على الطرق القاسية التي سلكتها قريش لتحول بين أبي سلمة والهجرة، فرجل يفرق بينه وبين زوجه عنوة، وبينه وبين فلذة كبده، على مرأى منه، كل ذلك من أجل أن يثنوه عن الهجرة، ولكن متى ما تمكن الإيمان من القلب، استحال أن يُقدِّم صاحبه على الإسلام والإيمان شيئاً، حتى لو كان ذلك الشيء فلذة كبده، أو شريكة حياته لذا انطلق أبو سلمة  إلى المدينة لا يلوي على أحد، وفشل معه هذا الأسلوب وللدعاة إلى الله فيه أسوة( ).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://theroadtoparadise.alafdal.net
 
السيرة النبوية الجزء الاول -18
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السيرة النبوية الجزء الاول -7
» السيرة النبوية الجزء الاول -23
» السيرة النبوية الجزء الاول -8
» السيرة النبوية الجزء الاول -24
» السيرة النبوية الجزء الاول -9

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الطريق الى الجنة :: السيرة المطهرة-
انتقل الى: